في تطور علمي مذهل يجمع بين علوم الأعصاب والذكاء الاصطناعي، تمكن الباحثون من تحقيق قفزة نوعية في تحويل إشارات الدماغ إلى كلام مسموع بشكل فوري، مما يفتح آفاقًا جديدة للأشخاص الذين فقدوا القدرة على الكلام بسبب حالات مرضية مختلفة. هذا الابتكار الذي كان يبدو ضربًا من الخيال العلمي أصبح الآن حقيقة ملموسة، حيث تقلص زمن التحويل من عدة ثوانٍ إلى أقل من ثانية واحدة، مما يمكّن من تدفق الكلام بشكل طبيعي ومتواصل 2.
كيف تعمل التقنية الجديدة؟
تعتمد هذه التقنية المتطورة على واجهة دماغ-حاسوب (BCI) مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تقوم بفك تشفير الإشارات العصبية من منطقة القشرة الحركية في الدماغ – المسؤولة عن التحكم في عضلات النطق – وتحويلها إلى كلام مسموع في الزمن شبه الحقيقي 2.
عملية التحويل تمر بعدة مراحل:
التقاط الإشارات العصبية: يتم تسجيل النشاط الكهربائي للدماغ إما عبر أقطاب دقيقة مزروعة جراحيًا، أو أجهزة استشعار غير توغلية على الوجه 2.
فك التشفير بالذكاء الاصطناعي: تستخدم نماذج ذكاء اصطناعي مدربة مسبقًا لفهم الأنماط العصبية المرتبطة بالكلام 2.
توليد الكلام: يحول النظام الإشارات إلى أصوات وكلمات مسموعة، مع إمكانية محاكاة الصوت الأصلي للمريض إذا توفرت تسجيلات سابقة 2.

إنجازات بارزة في دقة وسرعة النظام
تمكن الفريق البحثي من جامعتي كاليفورنيا في بيركلي وسان فرانسيسكو من تحقيق عدة إنجازات مهمة:
تقليل زمن التأخير: من 8 ثوانٍ في الأنظمة السابقة إلى أقل من ثانية واحدة، مما يمكن من محادثة طبيعية 2.
مرونة التقنية: تعمل مع أنواع متعددة من واجهات الدماغ، سواء كانت توغلية أو غير توغلية 2.
دقة عالية: نجح النظام في توليد كلمات جديدة لم يتدرب عليها مسبقًا، مثل أسماء حروف الناتو الصوتية، مما يدل على قدرته على التعلم وليس فقط التكرار 2.
سرعة الكلام: تصل إلى 150 كلمة في الدقيقة، وهي قريبة من سرعة الكلام العادية للإنسان 6.

التطبيقات الطبية والانسانية
هذه التقنية تمثل أملاً جديدًا لفئات عديدة من المرضى، بما فيهم:
مرضى السكتة الدماغية الذين فقدوا القدرة على الكلام 26.
المصابين بالتصلب الضموري العضلي الجانبي (ALS) 6.
ضحايا الحوادث أو الإصابات التي تؤثر على الجهاز الصوتي 2.
كما يوضح الدكتور إدوارد تشانغ، جراح الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، أن هذه التقنية قد تُحدث فرقًا جذريًا في جودة حياة هؤلاء المرضى، حيث تعيد لهم عنصرًا أساسيًا من الاستقلالية والتواصل الإنساني 2.

التحديات المستقبلية والآفاق
رغم النجاح الكبير، لا تزال هناك تحديات تواجه الباحثين:
تحسين الجوانب العاطفية: يعمل الفريق على تحسين النبرة والحدة ومستوى الصوت لتعكس المشاعر الطبيعية في الحديث 2.
التقنيات غير الجراحية: تبحث فرق أخرى مثل فريق شركة ميتا عن حلول غير جراحية باستخدام التخطيط المغناطيسي للدماغ (MEG)، لكن دقتها لا تزال أقل (68% للأحرف) مقارنة بالأنظمة الجراحية 10.
تصغير الأجهزة: جعل الأنظمة أكثر عملية وقابلة للارتداء في الحياة اليومية 10.

يمثل هذا الابتكار نقطة تحول في مجال واجهات الدماغ-الحاسوب، حيث يجمع بين الدقة العالية والسرعة الفائقة في تحويل الأفكار إلى كلام. مع استمرار التطورات في الذكاء الاصطناعي وعلوم الأعصاب، يمكننا توقع المزيد من التحسينات التي ستجعل هذه التقنية أكثر انتشارًا وملاءمة للاستخدام اليومي، مما يعيد الأمل لملايين الأشخاص حول العالم في استعادة صوتهم وقدرتهم على التواصل مع أحبائهم ومجتمعهم 2610.
في عالم يتجه نحو مزيد من الاندماج بين البيولوجيا والتكنولوجيا، تبرز هذه الابتكارات كشاهد على قدرة العلم على تحسين الحياة الإنسانية وإعادة ربط الإنسان بأكثر أدوات التواصل الإنساني أساسية – الصوت البشري.